وفي أواخر أبريل عام 2021م، حاول قطعان المستوطنين الاستيلاء على منازل العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح شرقي مدينة القدس المحتلة، وتهجير سكانها منها قسرا بحماية من قوات الاحتلال.
وبعدها بأيام فقط أعلن قائد هيئة الأركان في كتائب القسام "محمد الضيف أبو خالد"، أن قيادة المقاومة والقسام تراقب ما يجري عن كثب، محذرا الاحتلال ومغتصبيه أنهم إن لم يوقفوا العدوان على أهالي الشيخ جراح في الحال، فإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا.
العدو يخطئ التقدير
ورغم تحذير الضيف كثف الاحتلال من اعتداءاته على سكان الشيخ جراح، ولم يحسن تقدير نوايا المقاومة ولم يأخذها بالحسبان، ويوم الثامن من مايو طمأن الناطق العسكري باسم القسام "أبو عبيدة"، المرابطين في الشيخ جراح والأقصى بأن الضيف عند وعده ولن يخلفه.
واستغرق تحذير الضيف ستة أيام فقط، ففي العاشر من مايو منحت قيادة المقاومة الاحتلال مهلة حتى الساعة السادسة مساء من ذلك اليوم لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى والشيخ جراح والإفراج عن جميع المعتقلين خلال هبة القدس الأخيرة، وإلا فقد "أعذر من أنذر".
القدس تحت الصواريخ
ومع انقضاء مهلة المقاومة، دخل وعد الضيف حيز التنفيذ عند الساعة السادسة مساء إذ وجهت كتائب القسام ضربة صاروخية ثقيلة لمدينة القدس المحتلة ردا على جرائم الاحتلال وعدوانه بالقدس والأقصى وتنكيله بأهالي الشيخ جراح، وأكدت أن الاحتلال عليه أن يفهم الرسالة، قائلة: "إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا".
وجاءت الضربة؛ فشل الاحتلال في تقدير تحذير المقاومة، فحان موعد دفع فاتورة الحساب، وأوصلت المقاومة رسالتها بالنار والبارود أن عهد الاستفراد بالقدس والأقصى قد ولى إلى غير رجعة.
ومن أجل دفع إجرام الاحتلال عن شعبنا ومقدساتنا، أعلنت القسام ومعها فصائل المقاومة كافة عن خوضها معركة "سيف القدس" نصرة للمستضعفين في القدس، وتأكيدا على أنه المقاومة لم تخذلهم وكانت سيفهم درعهم.
والرد القسامي الكبير صدم الاحتلال وأربك حساباته وخيّمت الخيبة على منظومته الأمنية، واعترفت بفشلها الاستخباري الذريع في تقدير نوايا المقاومة وتنفيذ ضربة لم تشهدها مدينة القدس المحتلة منذ تاريخ احتلالها، فكان الرد على العدو "ما ترى لا ما تسمع".
معادلة تل أبيب
وفي اليوم الثاني من المعركة وجهت كتائب القسام ضربة صاروخية هي الأكبر من نوعها صوب أسدود وعسقلان بـ 137 صاروخا من العيار الثقيل خلال 5 دقائق، واستهدفت مركبة صهيونية عسكرية شمال القطاع، وقالت إن في جعبتها الكثير.
ودخل العدو المواجهة بتخبط كبير باستهداف الأبراج السكنية ومنازل المواطنين العزل في قطاع غزة، لكن القسام حذرته من أن "تل أبيب" ستكون على موعد مع ضربة صاروخية قاسية تفوق ما تعرضت له عسقلان في حال تماديه في غطرسته.
ولم تمهل القسام العدو طويلا، وبعد أقل من ساعتين من استهداف أول برج في غزة، وجهت ضربة صاروخية لتل أبيب وضواحيها هي الأكبر في تاريخها بـ 130 صاروخا باستخدام صواريخ العطار الثقيلة.
وطوال أيام المعركة فرضت المقاومة معادلة "القصف بالقصف"، وربطت أي تلويح أو قصف لبرج مدني في غزة برشقات صاروخية على تل أبيب ومحيطها، وكلما ارتكب الاحتلال مجازر ضد المدنيين كانت ترد عليها بشكل خاص خلال المواجهة، وما إن زاد من قصفه في القطاع زادت المقاومة من رشقات صواريخها وبقعة الاستهداف في العمق.
القادة في طليعة التضحية
ومع توالي الغارات الصهيونية على قطاع غزة، وفي الثاني عشر من مايو كان ثلة من قادة القسام الميامين في طليعة التضحية، فنالوا الشهادة في ساحة المواجهة، خلال قصف طائرات الاحتلال الحربية لمواقع ومقدرات المقاومة، وكان على رأسهم قائد لواء غزة في كتائب القسام باسم عيسى "أبو عماد"، والقائد القسامي البروفيسور جمال الزبدة ونجله أسامة، والقادة جمعة الطحلة ووليد شمالي وحازم الخطيب وسامي رضوان.
نعت كتائب القسام رجالها الأطهار، وأكدت أنهم نالوا شرف الشهادة في أعظم المواطن وأطهر المعارك، ومن خلفهم آلاف من القادة والجند يواصلون المسير يحملون الراية ويذيقون العدو الويلات.
ردت القسام على اغتيال القادة بقصف مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة لأول مرة بصاروخ العياش الذي يبلغ مداه 250 كم، وجاء ذلك بأمر من قائد هيئة الأركان محمد الضيف والذي دعا شركات الطيران العالمية لوقف فوري لرحلاتها إلى أي مطار في الأراضي المحتلة.
في كل الميادين
ومارست المقاومة خلال معركة سيف القدس حرب أعصاب على العدو، واستخدمت تكتيكها الخاص، فأحدثت هزة في جبهة الكيان الداخلية ولم تجعل الصهاينة في الأراضي المحتلة في أمان، وبعد قصف طائرات الاحتلال لبرج الجلاء الذي يضم مكاتب إعلامية ووكالات أجنبية في سعي منه لطمس حقيقة جرائمه في غزة، طالبت القسام سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على رجل واحدة وينتظروا ردها المزلزل.
وبعد ساعات من القرار أمر قائد هيئة الأركان محمد الضيف برفع حظر التجول عن تل أبيب ومحيطها لمدة ساعتين من الساعة العاشرة وحتى الساعة الثانية عشرة ليلا، وبعد ذلك يعودوا للوقوف على رجل واحدة.
ومع انقضاء مهلة الضيف وجهت الكتائب ضربة صاروخية كبيرة بعشرات الصواريخ "لتل أبيب" وضواحيها تزامنا مع ضربة بعشرات الصواريخ لأسدود المحتلة ردا على قصف الأبراج المدنية والبيوت الآمنة، وقالت للعدو إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا.
إفشال الخدع
وخلال المعركة روج الاحتلال عبر وسائل الإعلام لخدعة كبيرة عن نيته الدخول في معركة برية ضد قطاع غزة بهدف تضليل المقاومة، فردت القسام أن أي توغل بري في القطاع سيكون فرصة لزيادة غلتها من قتلى وأسرى العدو وتلقينه درسا قاسيا.
وهدف العدو من الترويج للتوغل البري، إلى إحداث خديعة بالقضاء على عناصر المقاومة حين تدخل الأنفاق للتصدي لقواته، وعند منتصف ليلة الثالث عشر من مايو بدأ الاحتلال خطته وشن سلسلة غارات عنيفة وغير مسبوقة على طول الشريط الحدودي للقطاع، وفشل في تمريرها وذهبت أدراج الرياح.
لقد كان العدو واهما ولم تنطل على المقاومة أساليبه، إلا أنه ضلل جمهوره وروج بأنه نفذ خدعته ضد أنفاق المقاومة وقتل المئات بداخلها، لكن كذبته وسائل إعلامه والمراسلون العسكريون، إذ تساءلوا إذا كان ذلك صحيحا؛ فلماذا لم نر قتلى من عناصر المقاومة بعد استهداف الأنفاق.
النفس الطويل
وأدارت القسام المعركة بحنكة كبيرة في الميدان وفي الإعلام، وكان عملها متميزا، فكانت بلاغاتها العسكرية تصدر تزامنا مع إطلاق الرشقات الصاروخية، ما يؤكد مستوى التنسيق العالي في الميدان رغم العدوان، وتأكد أنها ما زالت متماسكة وأعدت نفسها لأيام طويلة في إدارة المعركة.
وركزت القسام في ضرباتها الصاروخية على الأهداف العسكرية للاحتلال والتي شملت مطارات وقواعد وتجمعات تنطلق منها طائراته في غاراتها على قطاع غزة.
واعترف العدو بأن مدن المركز تعرضت لكثافة صاروخية لم يسبق لها مثيل، وأن الصواريخ المستخدمة من صناعة القسام المحلية كانت برؤوس ذات قدرات تدميرية عالية، حيث اخترقت المباني المحصنة وتسببت بدمار كبير وأوقعت العديد من القتلى والجرحى، خاصة في تل أبيب وريشون لتسيون ورمات غان.
وكما استخدمت القسام تكتيكا خاصا بإطلاق صواريخ السجيل ذات القدرة التدميرية العالية، على عسقلان، وقد نجح هذا التكتيك في تجاوز القبة الحديدية؛ وأوقع في صفوف العدو قتلى وجرحى خلال المعركة.
هبة الداخل المحتل
وتميزت معركة سيف القدس بزخمها، فاتحد شعبنا في المواجهة، وقدم أكثر من 30 شهيدا خلال انتفاضه بالضفة والقدس والداخل المحتل بشكل غير مسبوق والذي شكل صدمة كبيرة للاحتلال خاصة في اللد والرملة وبئر السبع، ولم يكن يتوقع اشتعال جميع الجبهات.
وخلال معركة سيف القدس شهدت المدن والعواصم العربية والأوروبية مسيرات نصرة لقطاع غزة ودعما للقضية الفلسطينية، ما شكل جبهة ضغط ودفع الأطراف العربية والدولية للتحرك والسعي وراء وقف إطلاق النار.
ومثلت المعركة هزيمة مدوية لقادة الاحتلال، فلم يحققوا أيا من أهدافها، وظهرت حالة الهشاشة في الجبهة الداخلية، بينما نجحت المقاومة في الدفاع عن القدس والأقصى والوقوف في وجه اعتداءاته.
ودافعت المقاومة عن القدس بكل شرف وإرادة وإقدام نيابة عن أمة بأكملها، وأذلت العدو وجيشه المهزوم الذي تبجح في قتل الأطفال وتدمير المنازل والأبراج السكنية، ورسخت المعادلات التي بات الاحتلال يحسب لها ألف حساب.
وأصلت سيف القدس لما بعدها من جولات التصعيد التي خاضتها المقاومة باقتدار، وعززت بشكل أكبر المعادلات التي فرضتها، فلا يزال دفاعها عن شعبنا ومقدساته وأسراه مستمرا، وجعلته يعيد حساباته قبل أن يتعرض لثوابت شعبنا، من المساس بالمسجد الأقصى والاعتداء على الأسرى أو مواصلة مجازره بحق شعبنا في مدن وقرى الضفة.
انتهى**3276
تعليقك